کد مطلب:306573 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:171

فدک فی التاریخ


فبالایام المنصرمات غصب حق علی.. و ما اكتفوا بذلك، بل عادوا لیغصبوا حقاً آخر.. من حقوق هذا البیت الطاهر..

حق من:

حق فاطمة.. البتول، الذی تركه ابوها الرسول إرثاً لها.

فأرض فدك هی الذكری، التی ابقاها الرسول لابنته من هده الدنیا، بعد ما نزل قوله تعالی (و آت ذاالقربی حقه)، فدعا الرسول فاطمة فأعطاها فدكاً و العوالی، و قال:- «هذا قسم قسمه اللَّه لك (أو) لعقبك» [1] .

وها هو المرض قد أخذ مأخذه من جسم الزهراء.. لكنها و من جدید تركت آلامها.. و قامت من فراش مرضها.. تجفف دموع عینیها، و قد لاحت علیها معانی الوهن و الحزن.

.. فمدت بیدیها المرتجفتین و تناولت خمارها، ولاثته علی رأسها الشریف.

واشتملت جلبابها.

ثم اخذت بیدی شبلیها.. واقبلت تشق الارض بخطواتها الثكلی، فی حین


تطبع علیها آثاراً من التعب، والمرض، والحزن، المدموجة فی روحها الطاهرة.

كانت لحظات رهیبة، و هی تقوم بدور المؤمن المدافع عن عقیدته، فی شبحها القائم المرتسم علیه سحابة من الحزن المریر، و هی شاحبة اللون مفجوعة القلب،منهدة العمد، ضعیفة الجانب.

فرغم كل هذا لم تتهان الزهراء فی طلب حقها المشروع، (بعدما انكره الخلیفة علیها).

لذا توجهت الی المسجد... تحفها انوار الملكوت، و تشیعها الملائكة.

و بدت فی موكب عظیم طالما كان یُحف به ابوها من قبل.

فتركت النسوة دورهن و التففنّ حولها كالنجوم المتناثرة بغیر انتظام لیتبعن قائدتهنّ:

(تلك هی ریحانة النبوة، و مثال العصمة و هالة النور المشعة، و بقیة الرسول).

.. و تهادی الموكب حتی وصل الی حیث مأربه.

.. فتعاظمت الابصار و اشرأبت اعناق القوم لتفزع عن هلع، و خوف، و دهشة من هذا القادم علیهم الذی لا یعرفون عنه شی ء سوی.. انه شبح محد لا ضیر.

فجمدت العیون، وارهفت الاسماع، ثم لم یلبثوا حتی ان اصبحوا كالاصنام.. فبدت رعشة تساور الابدان، فتغلف الشفاه، والعیون بشدة و زیغ.. انها تُعرب عن الانصات و السكوت و السكون.

ثم لم یلبث نور الزهراء حتی انتصب بهیكله الحزین.. فصار شمساً ملتهبة تفرض علی الوجود تعظیمها و تبجیلها، و تقدیسها.

و صاح من فی المسجد صیحة مدویة.

- انها واللَّه بنت المصطفی، انها فاطمة البتول جاءت لنا بروح محمد صلی اللَّه علیه و آله و سلم؟!!

.. فضرب ستار بین النور، و بینهم.

.. كانت خلجات سیدتی ما تزال تكلمها عن العهد القدیم الذی عهدهُ لها ابوها


النبی الراحل.. و ذلك حقها من ارض (فدك).

.. طأطئ الجمیع رؤسهم.. حتی ان استقل نور الزهراء فی مكانه من المجلس.

فقد كان هذا النور اشبه شیئاً بنور المصطفی صلی اللَّه علیه و آله و سلم.

ثم انت انّة، فسمعت من بعدها اصوات تجهش بالبكاء، و بانت للمجلس رجة هائلة.

لكن الزهراء.. امهلت القلوب لتفضی.. جزءاً ضئیلاً مما قد اذنبته بحق آل نبیها.

عند ذلك انطلق الاحرف و الكلمات من لسان البتول، لتنثر جواهر الكلام.

.. فأبتدأت بحمد اللَّه والثناء علیه، ثم الصلاة علی رسوله.

فضج المجلس من جدید بالبكاء حینما سمعوا بنت نبیهم تتلفظ باسم محمد، و قد اعطت لهذا الاسم معناه.. و كأنها جددت المصاب بالنبی الراحل.. و ما امسكوا عن البكاء حتی عاد لسانه ینثر الحقیقة علی افئدة الارواح التی تعشق حقاً.. اسم محمد، فأكملت تقول:

- (الحمدللَّه علی ما انعم و له الكشر علی ما ألهم، والثناء بما قدم من عموم نعم ابتدأها، و سبوغ آلاء اسداها، و تمام منن اولاها، جم عن الاحصاء عددها و نأی عن الجزاء امدها، و تفاوت عن الادراك ابدها، و ندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها، واستحمد الی الخلائق باجزالها، و ثنی بالندب الی امثالها.

واشهد ان لا اله الا اللَّه وحده لا شریك له، كلمة جعل الاخلاص تأویلها، و ضمن القلوب موصولها، و أنار فی الفكر معقولها، الممتنع من الابصار رؤیته، و من الالسن صفته، و من الاوهام كیفیته، ابتدع الاشیاء لا من شی ء كان قبلها، و انشأها بلا احتذاء امثلة امتثلها (الی ان قالت سلام اللَّه علیها).

ایها الناس، اعلموا انی فاطمة و ابی محمد صلی اللَّه علیه و آله و سلم، اقول عوداً و بدأً، و لا اقول ما اقول غلطاً،


و لا افعل ما افعل شططاً، لقد جاءكم رسول من انفسكم عزیر علیه ما عنتم حریص علیكم بالمؤمنین رءوف رحیم [2] ، فأن تعزوه و تعرفوه تجدوه ابی دون نسائكم و اخا ابن عمی دون رجالكم، و لنعم المعزی الیه صلی اللَّه علیه و آله و سلم.

فبلغ بالرسالة صادعاً بالنذارة، مائلاً عن مدرجة المشركین، ضارباً ثبجهم، آخذاً بأكظامهم داعیاً الی سبیل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، یكسر الاصنام، و ینكت الالهام [3] ، حتی انهزم الجمع و ولّوا الدبر، حتی تفرّی اللیل عن صبحه واسفر الحق عن محضه، و نطق زعیم الدین، و خرست شقاشق الشیاطین، و طاح وشیظ النفاق وانحلت عقد الكفر والشقاق و فهمتم بكلمة الاخلاص فی نفر من البیض الخماص.

و كنتم علی شفا حفرة من النار، مذقة الشارب و نهزة الطامع و قبسة العجلان و موطئ الاقدام، تشربون الطرق، و تقاتون الورق، اذلة خاسئین، تخافون ان یتخطفكم الناس من حولكم. فانقذكم اللَّه تبارك و تعالی بمحمد صلی اللَّه علیه و آله و سلم بعد اللتیا و التی، بعد ان مُنی ببهم الرجال و ذؤبان العرب و مردة اهل الكتاب.

كلما اوقدوا ناراً للحرب اطفأها اللَّه، او نَجم قرن للشیطان و فغرت فاغرة من المشركین، قذف اخاه فی لهواتها، فلا ینكفئ حتی یطأ صماخها بأخمصه و یخمد لهبها بسیفه، مكدوداً فی ذات اللَّه مجتهداً فی امر اللَّه، قریباً من رسول اللَّه، سیّداً فی اولیاء اللَّه، مشمّراً ناصحاً مجداً كادحاً، و انتم فی رفاهیة من العیش، و ادِعون فاكهون، آمنون تتربصون بنا الدوائر و تتوكفون الاخبار، و تنكصون عند النزال و تفرون عند القتال.

فما اختار اللَّه لنبیه صلی اللَّه علیه و آله و سلم دار انبیائه و مأوی اصفیائه، ظهر فیكم حسیكة النفاق و سمل جلباب الدین، و نطق كاظم الغاوین، و نبغ حامل الاقلین، و هدر فنیق المبطلین، فخطر فی عرصاتكم واطلع الشیطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم فألفاكم لدعوته، مستجیبین و للعزة فیه


ملاحظین، ثم استنهضكم فوجدكم خفافاً واحمشكم فألفاكم غضاباً، فوسمتم غیر ابلكم و اوردتم غیر شربكم.

- هذا، والعهد قریب، والكلم رحیب، والجرح لما یندمل، والرسول لما یقبر ابتداراً، زعمتم خوف الفتنة، ألا فی الفتنة سقطوا و ان جهنم لمحیطة بالكافرین. فهیهات منكم؟ و كیف بكم؟ و انی تؤفكون؟

و كتاب اللَّه بین اظهركم، اموره ظاهرة، و احكامه زاهرة، و أعلامه باهرة و زواجره لایحة، و اوامره واضحة، قد خلفتموه وراء ظهوركم، اَرغبة عنه تریدون؟ ام بغیره تحكمون؟ بئس للظالمین بدلاً.

(و من یبتغ غیر الاسلام دیناً فلن یقبل منه و هو فی الآخرة من الخاسرین).

ثم لم تلبثوا، إلّا ریث ان تسكن نفرتها، و یسلس قیادها، ثم اخذتم تورون وقدتها و تهیّجون جمرتها، و تستجیبون لهتاف الشیطان الغوی، و اطفاء انوار الدین الجلی، واخماد سنن النبی الصفی، تسرون حسواً فی ارتغاء، و تمشون لاهله و ولده فی الخمرة والضراء، و یصیر منكم علی مثل حز المدی، و وخز السنان فی الحشاء. و انتم الان تزعمون:

ان لا ارث لنا، افحكم الجاهلیة تبغون، و من احسن من اللَّه حكماً لقوم یوقنون؟!! افلا تعلمون؟

بلا تجلی لكم كالشمس الضاحیة انی ابنته ایها المسلمون أأُغلب علی ارثه؟!!!

ثم سكنت لحظات قد اغرورقت الدموع وسط مآقیها و تكسرت اللوعة فی صدرها فاستأنفت تنادی:

- یابن ابی قحافه أفی كتاب اللَّه ان ترث أباك و لا ارث أبی [4] ؟ لقد جئت شیئاً فریا!


افعلی عمد تركتم كتاب اللَّه، و نبذتموه وراء ظهوركم؟ اذ یقول: (و ورث سلیمان داود) [5] و قال فیما اقتص من خبر یحیی بن زكریا اذ قال: (فهب لی من لدنك ولیاً یرثنی و یرث من آل یعقوب) [6] و قال: (و أُولو الارحام بعضهم اولی ببعض فی كتاب اللَّه) [7] و قال:

- (یوصیكم اللَّه فی اولادكم للذكر مثل حظ الانثیین) [8] و قال: (ان ترك خیراً الوصیة للوالدین و الاقربین بالمعروف حقاً علی المتقین) [9] . [10] .

- و زعمتم ان لا حظوة لی و لا ارث من ابی و لا رحم بیننا، افخصكم اللَّه بآیة أخرج منها ابی ام هل تقولون ان اهل ملتین لا یتوارثان، او لست انا و ابی من أهل ملة واحدة؟ ام انتم


اعلم بخصوص القرآن و عمومه من ابی و ابن عمی؟ فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك یوم حشرك.

و اختنقت الزهراء بعبرتها حینما قالت: فنعم الحكم اللَّه والزعیم محمد والموعد القیامة، و عند الساعة یخسر المبطلون و لا ینفعكم اذ تندمون و لكل نبأ مستقر و سوف تعلمون من یأتیه عذاب یخزیه، و یحل علیه عذاب مقیم.

و تحسرت و هی ترمی بطرفها نحو الانصار دامعة العین فتقول:

- یا معشر الفنیة، و اعضاد الملة، و انصار الاسلام، ما هذه الغمیزة فی حقی، و السنة عن ظلامتی؟! أما كان رسول اللَّه صلی اللَّه علیه و آله و سلم ابی یقول: «المرء یحفظ فی ولده»؟!!

سرعان ما احدثتم و عجلان ذا اهالة و لكم طاقة بما احاول و قوة علی ما اطلب و ازاول. و ساقت (سلام اللَّه علیها) الخطبة الشریفة الی قولها):

الا و قد قلت ما قلت علی معرفة منی بالخذلة التی خارمتكم و الغدرة التی استشعرتها قلوبكم، و لكنها فیضة النفس، و نفثة الغیظ، و خور القناة، و بثة الصدر، و تقدمة الحجة فدونكموها فاحتقبوها دبرة الظهر، نقبة الخُف، باقیة العار، موسومة بغضب اللَّه و شنار الابد، موصولة بنار اللَّه الموقدة، التی تطلع علی الافئدة، فبعین اللَّه ما تفعلون، و سیعلم الذین ظلموا ای منقلب ینقلبون.

و انا ابنة نذیر لكم بین یدی عذاب شدید، فأعملوا انّا عاملون و انتظروا انا منتظرون.

ثم رمقت الزهراء بعینیها المغرورقتین بالدموع حشود المسلمین و قالت:

معاشر الناس المسرعة الی قیل الباطل، المغیظة علی الفعل القبیح الخاسر، افلا تتدبرون القرآن، ام علی قلوب اقفالها؟ كلا بل ران علی قلوبكم ما أساتم من اعمالكم، فأخذ بسمعكم و ابصاركم و لبئس ما تأولتم و ساء ما به اشرتم، و شر ما منه اغتصبتم، لتجدن واللَّه محملة ثقیلاً، وغبة وبیلاً، اذ كشف لكم الغطاء و بان ما وراء الضراء، و بدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تحتسبون، و خسر هناك المبطلون.

و قد اجاد الشاعر سیدتی، و هو یصف تلك الساعات التی جئت بها الخلیفة،


تستردین حقك المغضوب فقال:


نقضوا عهد أحمد فی أخیه

و اذاقوا البتول ما اشجاها


یوم جاءت الی عدی و تیم

و من الوجد ما اطال بكاها


فدنت واشتكت الی اللَّه شكوی

والرواسی تهتز من شكواها


لست ادری ادروعت و هی حسری

عاند القوم بعلها و اباها


تعظ القوم فی اتم خطاب

حكت المصطفی به و حكاها


فأطمئنت لها القلوب و كادت

ان تزول الاحقاد من طویها


ایها الناس ای بنت نبی

عن مواریثه ابوها زواها


هل رآنا لا نستحق اهتداء

واستحقت التیم الهدی فهداها


انصفونی من جائرین اضاعا

حرمة المصطفی و ما رعیاها [11] .



[1] كذا نقلها علماء السنة و بصور مختلفة من آية القربي نزلت في حق فاطمة: و من الذين نقلوا هذا الخبر: التفسير الكبير ج 29 ص 284، الملل و النحل ج 1 ص 23، شواهد التنزيل ج 1 ص 340، كنزالعمال و بهامشه مسند احمد ج 1 ص 228، فتوح البلدان ص 46، في كتاب المأمون لعامله علي المدينة. و فدك هي قرية في.. الحجاز، بينها و بين المدينة يومان، (و قيل) ثلاثة و هي أرض يهودية في مطلع تأريخها المأثور. و كان يكسنها طائفة من اليهود، و لم يزالوا علي ذلك حتي السنة السابعة حيث قذف اللَّه بالرعب في قلوب أهليها فصالحوا رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم علي النصف من فدك، (وروي) انه صالحهم عليها كلها، و ابتدأ لذلك تاريخها الاسلامي، فكانت ملكاً لرسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم لانها فيما لم يوجف عليها بخيل، و لا ركاب، ثم قدمها لابنته (الزهراء)، و بقيت عندها حتي توفي ابوها صلي اللَّه عليه و آله و سلم فأنتزعها الخليفة الاول، علي حد تعبير صاحب (الصواعق المحرقة). (كما في تأريخ فدك).

[2] التوبة آية 128.

[3] و في نسخة اُخري (الهام).

[4] أبوبكر و ميراث الزهراء.

1- اخرج البخاري بسنده عن عروة بن الزبير «إن عائشة أم المؤمنين اخبرته إنّ فاطمة عليهاالسلام إبنة رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم سألت أبابكر الصدّيق بعد وفاة رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم أن يقسم لها ميراثها مما ترك رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم مما أفاء اللَّه عليه فقال لها أبوبكر: إنّ رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم قال: لا نورث ما تركناه صدقة، فغضبت فاطمة بنت رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم فهجرت ابابكر فلم تزل مهاجرته حتي توفيت. قالت: و كانت فاطمة تسأل أبابكر نصيبها مما ترك رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم من خيبر و فدك و صدقة بالمدينة فابي أبوبكر عليها ذلك...».

2- (كتاب الخمس) باب الفرائض.

و في رواية: قالت الزهراء عليهاالسلام لأبي بكر: (أفي اللَّه أن ترث اباك، و لا أرث أبي؟ أما قال رسول اللَّه: المرء يحفظ في ولده.

تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 12.

[5] سورة النمل آية 16.

[6] سورة مريم آيه 5- 6.

[7] سورة الانفال آية 75.

[8] سورة النساء آية 11.

[9] سورة البقرة آية 180.

[10] و بهذه الآيات و غيرها احتجت الزهراء علي أبي بكر راجع خطبتها الرائعة في الاحتجاج ج 1 ص 253، بلاغات النساء، أبي الفضل أحمد بن أبي طيفور البغدادي ص 4، و قال رشيد رضا أثناء كلامه عن هذا الكتاب: «و فيه خطبة السيدة فاطمة الزهراء عليهاالسلام لما منعها أبوبكر ميراثها، مجلة المنار: ج 11 ص 303 شرح النهج ابن أبي الحديد: ج 4 ص 78- 79 و 93، أعلام النساء لعمر رضا كحالة: ج 3 ص 1219.

[11] شعر الشيخ الازري.